بقلم د. محمود عبد المجيد عساف
عضو نقابة المدربين الفلسطينيين
إن تقدم الأمم ومستوى إنتاجيتها يقاس بمدى جهود أفرادها في العمل المثمر الناجح، وبالقدر المستطاع من ساعات العمل المركزة نحو الهدف، حيث تتأثر الإنتاجية بعدة عوامل،
أهمها: التدريب ومدى ارتباطه بمرتكزات السيطرة والقوة الناعمة، وقربه أو بعده من الهدف والغاية، وذلك لتأثيره السحري على الدافعية والفاعلية.
ظاهرة التدريب وتنمية الموارد البشرية، موجودة عبر التاريخ، فهي ثمرة عمل طويل ومستمر عبر الأجيال ويشهد على تقدم هذه الظاهرة ما وصل إلينا من معلومات عن الحضارات القديمة، وطرق معيشتها ومراكز التعليم والتدريب فيها، والتي انعكس دورها على ما وصلت إليه.
لذلك تعد أهداف التدريب هي الغايات التي تسعى عملية تنمية القدرات إلى تحقيقها، وهي نتائج يجري تصميمها وإقرارها قبل البدء في عملية الإعداد، الأمر الذي يتطلب جهد ذهني وإبداع من جانب مصمم ومنفذ البرامج التدريبية، يصعب من خلاله الفصل بين التدريب والتعليم فيعتمد المفكر في سيطرته على الموقف على محركات ذهنية تتمحور في تجربته السابقة، وخبراته الحالية، الأمر الذي قد يصعب على العديد من المفكرين والنقاد تحليل العلاقة بين النشاط الاقتصادي والتدريب، خاصة بعد تمدد رقعة الرأسمالية واستثمار الموارد البشرية وسطوة الثورة التكنولوجية والذكاء الصناعي.
وعليه تتحدد مرتكزات السيطرة في العملية التدريبية في العديد من العوامل الثقافية والتنظيمية المحيطة بطبيعة عمل وكيان ذلك النشاط الحيوي والمتمثلة في :
1- طبيعة النشاط” حيث يتأثر حجم وكيان إدارة التدريب بمدى التنوع أو التشابه في البرامج التدريبية في المؤسسة الواحدة من حيث الجودة والنوعية.
2- إيمان الإدارة” حيث إن قناعة الإدارة بأهمية التدريب يزيد من قيمة أي نشاط، ويضفي عليه وزنا ترجيحياً أعلى من غيره من الأنشطة الأخرى.
3-كفاءة المدربين” حيث تتأثر مكانة النشاط التدريبي بمدى كفاءة القائمين على هذا النشاط وقدرتهم على إتباع الأسلوب العلمي في التدريب، وتنظيم ومتابعة نتائجه.
فأحيانا ما يكون القائمون على إدارة التدريب في مؤسسة ما هم السبب الرئيس في انهيار مكانته التنظيمية بسبب ضعف قدرتهم.
4- الإمكانيات المادية” فتوفر الإمكانات المادية والتسهيلات للعملية التدريبية يؤثر بالتأكيد على مكانة وهيبة هذا النشاط.
كل ما سبق يمثل مرتكزات السيطرة لمسار التدريب في أي مؤسسة، والمتأثرة بالثقافة التنظيمية السائدة بما تحمله من تحول وتغير في الأيديولوجيات التي تؤثر في:
• تحديد الأهداف والقيمة التي يجب أن تتوجه إليها المؤسسة.
• تحديد ووصف العلاقات الملائمة بين المتدربين بالمؤسسة، والذي عادة ما يأخذ شكل عقد اجتماعي بين الطرفين يشرع فيه حقوق وواجبات كل طرف من الطرف الآخر.
• تحديد أساليب الرقابة والسيطرة على السلوك التنظيمي وكذلك تحديد مدى شرعية هذه الأساليب وقانونيتها في التدريب.
• تحديد الأساليب والطرق المناسبة للتعامل مع السوق والبيئة الخارجية.
استنادا على ما سبق كان من الواجب أن تتوفر في عملية التدريب الواقعية البعيدة عن الخيال التي تتمشى مع الاحتياجات الفعلية التي تمليها الضرورة وتتكامل في خططها المتتالية، لتنمية الموارد البشرية وتطوير المؤسسة والمجتمع، لكن المتابع لسوق التدريب حولنا يجد يومياً مئات الإعلانات ومئات المدربين، ومئات دورات تدريب المدربين (TOT)، وكأنها أصبحت ظاهرة ترويج لسلعة، إلى الحد الذي باتت فيه الشرائح المستهدفة تشكك في أهمية التدريب، فما نلحظه اليوم –للأسف- لا يحقق أدنى طموحات الحريصين على تحقيق ما وراء عملية التدريب، نظرا لاختلاط الحابل بالنابل، و الجودة والتحسين بإرضاء الجمهور، والحصول على شهادات من مؤسسات ارتضت لنفسها الدونية في العمل، فتساوى تجار التدريب، بالداعين لجودته، والساعين إلى متابعة كل ما هو جديد في المجال.
لقد اختلط الأمر بين المدرب التجاري (الكشكول)، والمدرب الصناعي (المبدع)، التجاري الذي سوق لنفسه بأنه قادر على التدريب في كل فن وعلم، ويدرب ما يقع بين يديه من دورات إدارية ونفسية وتربوية وتطويرية وتقنية…وغيرها، ومع أي فئة كبار، صغار، موظفين، شباب، نساء، رجال، والمدرب الصناعي الذي يشارك في صناعة معلومة مادته التدريبية بالبحث والتنقيب والتقصي.
هذا وأكثر كلّف السوق خسارة غير محدودة من الكفاءات والطاقات التي لم تقبل بمثل هذه الهلامية، والتي انسحبت بشرف بعد أن اختلط عليها الأمر، وعليه يجب السعي لتحسين صورة التدريب المتوارثة، والحد من تغول المؤسسات غير المعتمدة، وقبل ذلك المفهوم والغاية من التدريب، فالجودة والتحسين المستمر هما رهان البقاء على قيد الهوية والتميز والتحرر في عالم اليوم.
ويبقى السؤال: من المسؤول عن تشويه الصورة؟ من المخول بالمتابعة؟ من سيعوض السوق الخسارة الخفية؟ تحت أي وزارة يمكن إسناد العمل والمتابعة؟