المرأة الصعيدية كيان أخر من النساء ، انتقت من سمرة الجنوب قوة وجبروت على استحياء ، نهلت من النيل وارتوت التضحية والعطاء ، ومن الجبال استمدت قوة تحملها ، فهى المرأة التى نبعت قوتها من كأس ظلمها وحماقات المجتمع ضدها ، ورغم مظاهر العنف حيالها ،الا أن أصالتها استحضرت لها احترامها وحرمتها.
فهى تحافظ على تقاليدها وتراثها وطقوسها منذ زمن الفراعنة ، تستخدم الطب الشعبى والاعشاب للتداوى بجانب طقوسها الخاصة فى الزواج والميلاد والموت ، اى تحافظ على الهوية والتراث ، وكل ذلك بجانب استخدامها للتكنولوجيا الحديثة فهى تشاهد المسلسلات والافلام الهندية والتركية وبرامج الطبخ وتتأثر بطريقتهم فى الملبس والمأكل ، وتستخدم الانترنت وجميع وسائل التواصل الاجتماعي ، والمرأة الصعيدية هى المحرك الأساسى فى كل ما يخص شئون بيتها الداخلية واهم عنصر داخل البيت ، كما أن لها دور كبير فى إدارة الشؤون الخارجية بطريقة غير مباشرة.
تتميز بحب التضحية مما يجعلها دائما قليلة الحيلة ظاهريا ولكنها تستخدم حكمتها المدفونة داخل فطرتها لتفرض سيطرتها برقة على كل ما يجرى من حولها ، فهى تفرضها على اولادها بالشدة تارة ، والعاطفة تارة أخرى ، فلا يمكنهم اتخاذ أى قرار دون أن يكون قد نال رضاها وفطنتها ، وفى النهاية يبدو القرار نابع من رجالها سواء زوجها أو ابنها الأكبر ، حرصا منها على هيئته العامة ووضعه أمام الناس ، لا تتردد في تحمل كل انواع القهر من أجل حفظ ماء وجه عائلتها ، لا يوجد لها مورد اخر للعيش أو مأوى سوى بيت زوجها وكثيرا ما نراها العمود الفقري الذى يلتف حوله عائلتها ، فهى الوتد لا تسمح بأى انقسام، ولها كلمتها التى يسمعها الجميع.
فالمرأة فى الصعيد ليست امرأة ضعيفة ،هشه ، مقهورة ، مغلوبة على أمرها كما يتصور البعض ، لكن المتعمق قليلا يكتشف أنها قوية وذكية لكن بطريقتها الخاصة ، يحتاجها الرجل فى تدبير كل أمورة ولكنه يهينها فى العلن ، فهى تعانى من التعنيف كغيرها من النساء ، تعاتب احيانا بكونها المخطئة فى كل شىء ، المذنبة فى حالة إنجاب الاناث ، الجانية فى حالة مرض أبناءها أو موت زوجها ، كما يمارس عليها الحرمان من الميراث ، لا تشارك سياسيا لأرتفاع نسبة الأمية أو لرفض الرجل مشاركتها ، فتحركها فى الفضاء العام محدودا ويتوقف على ما يقبله زوجها ، لكنها تظل امرأة مميزة ، قوية ، ذكية تعرف محيطها بشكل كبير ، تحقق مكاسب بذكاءها فهى محل اعتماد رجلها بالكامل..ولا تختلف ظروف المرأة فى الصعيد عن المرأة فى القاهرة ، فالجميع يتعرض لنفس المعاناة ولكنها تصل إليها نفس وسائل الإتصال والتكنولوجيا الحديثة بعد أن أصبحت داخل كل بيت فى الصعيد فالفروق بين أنماط الحياة تتقلص، ولا يوجد مجتمع مغلق على نفسه تماما ، ولكن مع هذه التغيرات يظل المحرك الأساسى للمرأة هى تربيتها وعادات أهلها وتقاليد بيئتها وهى الأقوى تأثيرا من مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها فالجوهر لم يمس ، ويظل أبرز ما تحتاجه المرأة فى الصعيد هو التعليم لانه فرصتها الوحيدة لتحسين وضعها فى المعادلة الاقتصادية والاجتماعية لتكون قادرة على العمل وإيجاد الوظيفة المناسبة لها مما يساهم فى تغيير افكار الرجال فيما يتعلق بسوق العمل وما يمكن قبوله أو رفضه وتغيير هذا المجتمع الصعيدى المشحون بالموروثات الثقافية والدينية بجانب التعقيدات الطبقية والقبلية تحت قشرة رقيقة من التحضر والتمدين.