مقالات

مابين القسوة والتهاون تتلاشى التربية

بقلم : د/ ياسمين الجندي

يبحث الآباء والأمهات دومآ عن الأسلوب التربوي الأمثل لتقويم صغارهم ،فيقرأون هنا ويسمعون من هنا، لكن هل الأساليب

التي يستخدمونها الصحيحة؟ دعونا أولا نضع الركيزة الأساسية، أنه ليس هناك أب سيىء أو أم سيئة، ولكن كلنا بشر قد

نصيب وقد نخطئ وليس من سماتنا الكمال ،ونتفق جميعا علي أن التربية السليمة هي المؤشر على إنشاء طفل سوي ومن منا لا يتمنى أن ينشئ طفلا سويا؟ ولا نعني بكلمة التربية هنا توفير مقومات الحياة من المأكل، والمشرب، والملابس أو الاهتمام وتوفير سبل الراحة؛ فكل هذه أمور تندرج تحت مفهوم( الرعاية).

أما التربية فهي التوجيه، وغرس القيم ،والمبادئ ،والأفكار، وتنمية المهارات، وتعديل السلوكيات .

فإن كانت سلوكيات ابنك الجيدة تحدث في وجودك وتختفي بغيابك عنه فأنت لم تربه، ولقد عرف إسماعيل محمود القباني المربي الكبير التربية على أنها (هي مساعدة الفرد على تحقيق ذاته؛ حتى يبلغ كمالاته المادية والروحية في إطار المجتمع الذي يعيش فيه )، ومن هنا يتوجب علينا المراجعة الدائمة للأساليب التربوية التي نستخدمها، فالتربية عملية مستمرة تحتاج إلي تخطيط وتوازن.

دعونا نتحدث قليلا عن الأساليب التربوية الشائعة مثل:

القسوة والتهاون، فقد يغلب أحدهما علي نمط البيت، وقد يجمع الوالدين الأسلوبين معآ ،فنجد الأب متهاون متساهلا طوال الوقت، وفي كل الأمور، وعندما يشعر أنه قد أفلت زمام الأمور ينقلب فجأة إلي استخدام أسلوب القسوة.

أسلوب القسوة من الأساليب الشائعة، وهو أيضا من الأساليب المرفوضة، فهي ذات أثر سلبي،

الوالد القاسي هو الآمر الناهي، يتخذ التسلط أسلوبا لتربية أبنائه؛ اعتقادا منه أن قسوته تعبير عن قلقه، وخوفه، ورعايته،

فتكون ردود أفعاله تجاه سلوكياتهم وتصرفاتهم ردودا عنيفة ورادعة وقد تحمل معها الألم النفسي أو الجسدي
أو كليهما.

– النموذج الثاني

وعلى النقيض منه نجد الأسلوب المتهاون، وهو ما يتسم فيه الوالدان أو أحدهما بالتساهل، فليس في هذا الأسلوب أي

قواعد، أو أوامر، ولا تفرض فيه أي حدود ،أو خطوط حمراء؛ اعتقادا بأن التساهل في التربية دليل التحضر والرقي ،فيقدم

للأطفال التنازلات ،ويسمح لهم بما لا يجوز السماح به، ويغدق عليهم من المشاعر بغير حساب، فينشأ طفل أناني يعتبر كل

المقدم له من عطايا حق مكتسب ،لا يهمه تحقيق رغباته على حساب الآخرين، غير قادر علي تحمل مشاعر الحزن والإحباط، والفشل ،طفل هش قابل للكسر فاقد لمهارات مواجهة الحياة.

النموذج الثالث

-المربي الإيجابي (الأب الحازم ) هو من اقتنع أنه لابنه حليف، وليس ندا له ،فوضع قواعد ومنظومة تدار بها العلاقة، قائمة

على الاحترام المتبادل ،فكان فيها عقاب الطفل أو مكافأته نتائج تصرفاته في البيئة المحيطة، ومع الأفراد المحيطين به، مع

تقديم الدعم، والتقدير والملاحظة ومنح الخبرة، وهي الطريقة المثلى لبناء شخصيته .

فمن الضروري أن يكون لكل مربي ذخيرة تربوية؛ أي مجموعة من الأدوات، يستخدمها للسيطرة على المواقف، وإدارة الأمور،

وتعينه على اتخاذ القرارات الحازمة في التربية، يتناسب كل منها مع عمر الطفل وقدراته، فلا يعاقب بنفس الأداة من لم يأكل

طعامه، كمن أساء الأدب، ومن هذه الأدوات:( إصلاح التالف)، هو عقاب أمثل لما يفسده الطفل، نتيجة إهماله، أو استهتاره

،وكذلك الأعمال المنزلية الإضافية، حيث يفهم الطفل بهذه الأداة أنه المسؤول عن تحمل نتائج أفعاله، وهو أيضا قادر على

البحث عن بديل، واقتراح حلول بمشاركة الأهل، كما يجب ألا يختلط علينا الأمر، فمنع التمارين الرياضية أو زيادتها،


والواجبات المدرسية وصلة الرحم ليست من أدوات العقاب، فهي أمور مسلم بها لا يعاقب بها الطفل،
-ومن الأدوات أيضا ( التحاور المشترك)،و فيه يتم مناقشة الطفل حول المشكلة المثارة وإيجاد الحل المناسب من اختيار الطفل، ودور الأهل هنا

تقديم الدعم اللازم مع خلق الفرص التي تضمن نجاح الحل، ومساعدته في الالتزام بالحل المقترح فهدفنا الأسمى هو بناء

الأطفال لا هدمهم كونوا رفقاء بأطفالكم، داعمين لهم في رحلة التشكيل ،ودعوهم يتحملوا نتيجة أفعالهم، وقراراتهم دون

توبيخ أو إهانة، أو تساهل عند الاتفاق على منع شيء عن الطفل أو سحب إحدى ألعابه المفضلة، فأنتم مطالبون بتنفيذ
القرار ،فلا ينبغى أن نتراجع أو أن نشعر بالذنب .

-ومن الأدوات أيضا( أسلوب التخيير)، وهو من الأساليب الأكثر ذكاء، ويجعل الطفل يفكر قبل إعادة الخطأ، وهو أن تخيره بين

عقابين ،أو أن يختار هو عقابه لنفسه، وبذلك يكون خلاف الطفل مع تصرفه وليس مع أحد الوالدين، ادعم السلوك الجيد وكذلك

اعترض علي السلوك المرفوض، وليس مع شخص الطفل كأن تعترض على سلوك الكذب، ولا تصف الطفل بالكاذب وأخيرا

تذكروا أن لكم أهدافا في تربية أطفالكم، لن نغرسها بالقسوة ولن ننميها بالتهاون؛ حتى نبني فيهم إنسانا رائعا يعرف معنى تحمل عواقب أفعاله، مدركا ما له وما عليه يعامل الناس كما يحب أن يعامل .

الوسوم

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock