لم أكن أول المادحين لجنود القطاع الصحى من الأطباء وأطقم التمريض المسمى (بالجيش الأبيض) ولن أكون آخرهم، فقد تبين لنا جميعًا عظم ورقى الدور الذى يلعبه هذا الجيش بمواجهة أخطر وأخبث أنواع العدو، هذا الذى لا تراه أعيننا ولا تسمع حفيف خطواته آذاننا، بل يتسلل وينتشر ويتفشى بغفلة منا.
فلا أسلحة الجيوش بما وصلت إليه من تطور عظيم قادرة على ردعه، ولا خزائن الأرض بما تمتلئ به من مال تقو على صده، لكنه سلاح واحد لا ثانى له وهو العلم الذى لم يترك باباً فى هذا الشأن إلا وطرقه لعلها المنجية، فكم من علماء فى الطب بمختلف تخصصاته يكرسون كافة مجهوداتهم لكشف الغطاء عن هذا الفيروس المستجد اللعين وفك شفرته مصنوعة كانت أم غير ذلك .
وكم من أطباء وملائكة رحمة وهبوا أنفسهم واسترخصوا حياتهم فداءً للواجب وإعلاءً للقيم الإنسانية وعلى رأسها شرف هذه المهنة النبيلة .
فلم تكن جائحة كورونا التى اجتاحت الأرض من مشارقها لمغاربها الأولى من نوعها، فقد ابتلى سكان الأرض مرات ومرات بألوان من المصائب وأشكال من الأوبئة التى فتكت بهم فتكاً وحصدت أرواح الملايين منهم .
وكذلك لم تكن أولى المرات التى يلعب فيها قطاع الأطباء ( الجيش الأبيض ) كما يسمونه الآن دور البطولة و يتزعمون قيادة الأزمة بلا منازع .
هؤلاء الذين لم يحنثوا بقسمهم ولم يسلكوا مسالك الجبن أو على الأقل تجنب الأذى، ولم يبخلوا بما فتح الله عليهم به من علم ومعرفة ومجهود ليكونوا بحق جنوداً مجندة فى معركة الحياة بوجه الموت
“فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان”؟
هل نقابل المعروف بالإساءة والفضل بالجحود والنكران؟
هل نُشيع بنفوس حائط الصد وخط الدفاع الأول هذا اليأس والإحباط؟
هل نوجه رسالة قاسية اللهجة لهؤلاء الأطباء الذين يضحون بأرواحهم فداءً لنا بموقف الأهالى الرافض لدفن الطبيبة التى تخطت الستين عاماً بالدقهلية؟
تلك التى أفنت عمرها بهذه المهنة وإن لم تعد ممارسة لها و قدمت للحياة أربعة أطباء آخرين من أبنائها لمجرد أنها توفيت بالكورونا خوفاً على أنفسهم من العدوى ؟
أكاد أرى ببصيرتى قبل بصرى أن هذا الفعل المخزى بإيعاذ وتدبير من إخوان الشياطين، الذين يجوبون الأرض بحثاً عن أى مدخل خبيث ينفثون به نفحات شرورهم المستطيرة، متجاهلين مصيبة كبيرة قد أصابت أهل الأرض كافة لعلهم يتقون .
بنى وطنى الكرام :
هل فكر أحدكم لوهلة ما الذى قد يعتمل بأنفس هؤلاء الأطباء جراء هذا الجحود و تلك الإساءة، فكل منهم معرض للإصابة عن طريق العدوى من أناس يقدمون لهم الدواء و الرعاية و حتى الدعم النفسى و المعنوي؟
فمن منا بمأمن من الإصابة و لو تحصن ببروجِِ مشيدة ؟
و من منا يقبل ألا يدفن ذويه كما ينص الشرع بدينه الذين يدين به ؟
أهكذا تكون أخلاق الكرام الذين عهدناهم گراما ؟
نهاية : كل التحية والتقدير والامتنان ما تبقى من الزمان للجيش الأبيض وخط الدفاع الأول بأزمة استحكمت حلقاتها و لعل الله بفكها قريباً مجيب .