” زي النهاردة ” وقوع «حريق القاهرة» 26 يناير 1952عام
هناك ثلاثة أحداث عجلت بقيام ثورة 23 يوليو والإطاحة بالملكية وقد وقعت هذه الأحداث تباعا لا يفصل بينها سوى أيام قليلة، وهذه الأحداث هي وقوع مجزرة الإسماعيلية وانتخابات مجلس إدارة نادي الضباط وحريق القاهرة.
أما عن الحدث الأخير وهو موضع حديثنا فتمثلت مقدماته المبكرة جدا حين وقع رئيس الوزراء مصطفى النحاس باشا، معاهدة 1936 مع الإنجليز وهي المعاهدة التي كانت تقضي بانسحاب القوات البريطانية من مصر إلى منطقة القناة، على أن تدعم مصر بريطانيا في حربها مع الألمان أثناء الحرب العالمية الثانية فلما انتهت الحرب لصالح بريطانيا لم تف الثانية بوعودها لمصر ورفض الإنجليز الانسحاب، فأعلن النحاس في ٨ أكتوبر ١٩٥١ إلغاء معاهدة ١٩٣٦، وأنه غير مسؤول عن حماية الإنجليز في خط القناة، ودعم الفدائيين.
وفي صباح ٢٥ يناير ١٩٥٢ قام القائد البريطاني بمنطقة القناة أكسهام، باستدعاء ضابط الاتصال المصري وطلب منه أن يسلم البوليس المصري أسلحته للقوات البريطانية ورفض الضباط المصريون، وأقر وزير الداخلية، آنذاك، فؤاد سراج الدين، موقفهم فقام الإنجليز باقتحام مدينة الإسماعيلية.
وحاصرت الدبابات والمصفحات البريطانية مبنى المحافظة بـ7 آلاف جندي بريطاني بأسلحتهم، ومدافعهم بينما كان عدد الجنود المصريين المحاصرين لا يزيد على ٨٠٠ في الثكنات، و٨٠ في المحافظة بالبنادق، وقاوم المصريون حتى آخر طلقة بعد ساعتين من القتال، وسقط خمسون شهيدًا.
انتشر الخبر في القاهرة، واستقبله المصريون بالغضب والسخط، وخرجت المظاهرات من الطلاب ورجال الشرطة، وفي أثناء ذلك اندلع حريق القاهرة، وخلال ساعات كانت النار قد التهمت نحو ٧٠٠ محل، وسينما، وكازينو، وفندق، ومكتب، وناد، في شوارع وميادين وسط المدينة.
كان من المنشآت التي طالها الحريق محال «شيكوريل» و«عمرأفندي»، و١٣ فندقًا كبيرًا منها «شبرد» و«متروبوليتان» و«فيكتوريا»، و٤٠ دار سينما بينها «ريفولي، وراديو، ومترو، وديانا، وميامي»، و٧٣ مقهى ومطعمًا وصالة منها جروبي والأمريكين، فضلًا عن مقتل ٢٦ شخصًا، وأعلن «النحاس» الأحكام العرفية، وأعلن نفسه حاكمًا عسكريًا عامًا، وحظر التجول في القاهرة والجيزة من السادسة مساءً حتى السادسة صباحًا.
وهناك كتب وأبحاث تناولت حريق القاهرة، ومنها كتاب للدكتور محمد أنيس، صدر في التسعينيات، ودراسة لجمال الشرقاوي، صدرت في أواسط السبعينيات بعنوان «أسرار حريق القاهرة في الوثائق البريطانية«ومن أحدث الكتب التي عرضت ضمن فصولها لحريق القاهرة كتاب«القاهرة.. خططها وتطورها العمراني» للدكتور أيمن فؤاد، أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة القاهرة، ورئيس الجمعية المصرية للدراسات التاريخية، وتعليقا على استمرار غموض هذا الحادث والطرف المتورط فيه.
ويقول الدكتور أيمن فؤاد، إن كل الأطراف السياسية المتنازعة على الساحة آنذاك انتهزت وقوع هذا الحادث لتتبادل الاتهامات وكل منهم يريد توريط الآخر، وكانت حركة الضباط الأحرار قد شاع خبرها فطالت الاتهامات القصر واليهود والضباط الأحرار وخاصةأن الساحة كانت متوهجة والمشهدالسياسي أقرب للتخبط والفوضيةلكنني أرجح من كل هذه الأطراف الحركات الإسلامية وبالأخص الإخوان إذا لاحظنا أن أكثرما استهدفه الحريق هي دورالسينما والأنديةوالكازينوهات والبنوك الأجنبية والمحال والفنادق الأجنبية.
ولعل دافعي لهذا الاعتقاد أن تاريخ الخلافات السياية اللاحقة في مصر سهدت حوادث مماثلة على يد الإخوان فهم طزال الوقت تمتعوا بحرية حركة وإمكانات تمكنهم بمثل هذه الأعمال التخريبية كما أن فكرة الوطن ومصر لا تهمهم في شيء.