كان الفن المصري نموذجا للرقي فيما سبق دون ابتذال، واصبح الان للدراما دور شديد الخطورة فى عملية \
التغير الاجتماعي وتغيير اتجاهات وسلوك الجمهور، وكانت الدولة هي المسئول الأول عن إنتاج الدراما
الرمضانية والدينية قبل ظهور الأزمات المالية فى قطاع الإنتاج الرسمي بالدولة وجود منتجين يستخفون
بالعقول بما يقدمون من تشوية لصورة الفن الراقى، إن الدراما هي مزيج بين الواقع والخيال وليس بالضرورة أن
تحاكى الواقع لأن لها تأثير كبير ومباشر فى تشكيل العقول وتوجيه السلوكيات، ومن المسلم به أن واقعنا
مليء بالعيوب والسلبيات ولكن على الفن أن يتضمن رسالة أو هدفا ينير الطريق أو يحدث تغييرا للأفضل
ويرتقي بالأخلاق ويرسخ بعض القيم النبيلة، لا أن يهبط بالسلوك ويدمر العقول بهذا الشكل الفج مما يجعلنى
أقول إن ثمة أهدافا خبيثة وممنهجة وراء هذه الملايين التى تنفق تسميم العقول وإفساد القيم، في الدراما
تعبر عما يراه الناس سواء كان حقيقيا أو لم يكتمل رؤيتهم له بعد، فمثلا هناك السوقية الإعلامية والتى لم تكن
موجودة بكثرة من قبل وكذلك التمويل والاستقطاب وكلها ظواهر وليدة الأعوام القليلة الماضية واستفحلت هذه
الأيام وأصبح المرض النفسى والعقلى هو تيمة النجاح، وأصبحت هذه الأدوار والشخصيات بمثابة مسارات آمنة
للتعبير عما هو مكبوت بداخلنا من رغبات مظلمة، رغبات لامستنا جميعا من قبل في مواضع خفية فى الروح،
وشكلت هذه الشخصيات المسكونة بالاشباح اختبارا لقدرة الممثل على التعبير والأداء …
يبدوا أن الشياطين المصفدة فى رمضان تجد دائما مهربا إلى شاشة الدراما التليفزيونية، وكأنها تحاول توجيه
الجمهور لهذه الحياة الممتلئة بالدم، وحجة المؤلفين والمخرجين أن الشارع المصرى أصبح عنيفا وهذه ترجمه
للواقع، فقد أصبحت الدراما تفتقد الخريطة الإدراكية الكلية فى فهم أسباب الظلم والفساد والاستغلال وتفتح
الباب على مصراعيه أمام الأطفال للأفكار الهدامة لكى تأتى وتسد الفراغ وتستعيد المعنى المفقود، في
صحراء ما قبل الوعي بإمكان شبة أيديولوجيا مشوهة ومشوشة أن تكسب أراضى عميقة وشاسعة فى
المجتمع المصرى، فالمعنى يميل للانجذاب نحو الإفراط ويدور كلاهما فى دائرة العنف والعجز والكم الهائل للشر
والفساد الاخلاقى، وهذا النمط غرق فى تزواج ليس غريبا مع الإعلانات السفيه، فقد فكر صناع الدراما فى
إنعكاس ما يدور فى الشارع المصرى لأن مهمة الفن ليس رصد الإيجابيات دائما والتنويه عنها حتى لا تصبح
الصورة باهتة، لكن مهمته الأساسية رصد السلبيات وعمل معالجة درامية من خلال السلاح الناعم الذي
يستطيع التغلغل في كل البيوت سواء بيوت البسطاء أو المسئولين ولا يوجد أفضل من الموسم الرمضانى
لضمان الحصول على أعلى نسبة مشاهدة وضمان نجاح، وليس هناك فن من فراغ بل هناك فنان يبدع وجمهور
يتلقى هذا الابداع، أى هناك طرفى المعادلة الفنية وكلاهما يؤثران فى بعضهما البعض والإنتاج الفنى فى عصر
ما، ما هو إلا إفرازات مكثفة لهذا المجتمع فى تلك الفترة، فالإنسان دائما مرآة عصره، ومن ضمن هذه الإفرازات
برنامج رامز مجنون رسمى، هذا الإسفاف والاستخفاف بعقول المشاهدين فهو مقلب قمامة مملوء بالعبارات
الخارجة والجارحة لمشاعر المشاهدين فى المنازل بما يحويه من إيحاءات وألفاظ بذيئة تهدم قيم المجتمع، فقد
شعرت بالخزي لما وصلنا إليه من إنفاق ملايين الدولارات على برامج تافهة تقدم للمتلقي وتخدش حياءها
وتشجع على العنف والسادية وتقدم له فى الشهر الكريم سلوكيات فجة غير مرغوبة، فهل يعقل أن تنفق كل
هذه الأموال في مصر التي يعاني شعبها من أزمات اقتصادية وارتفاع جنونى فى الأسعار وشباب مطحون
يعاني الويلات من أجل لقمة العيش وآلاف يموتون فى حروب الجوع والفقر والمرض وعلى سلالم
المستشفيات غير القادرة على إسعافهم ينادون ويتوسلون ليل نهار لجمع التبرعات فى حين أن هناك من يبيد
ثروات الأمة العربية فى سياسات وبرامج مخزية فى الوقت الذى تمر به البلاد بل والعالم كله بظروف قاسية
حزينة لكثرة عدد الإصابات والوفيات نتيجة فيروس كورونا المستجد، والغريب أننا نجد فى مجتمعنا من يشاهد
هذه البرامج ، فبعض العقول فى حاجة إلى مراجعة كل شىء حولها من قيم ومبادىء سوف تنهار لأن هذه
العقلية سوف تكون صيدا سهلا للاستقطاب من قبل الأفكار الهدامة الإرهابية فهى عقلية خاوية غير محصنة بالعلم والتحضر .