بقلم / د. جيهان رفاعى.
حين تتضارب القيم السائدة في الواقع المعاصر مع العقيدة ، يحدث الشعور بالاغتراب مما يولد الصراع فى حياة الإنسان ، وبمقدار وعى الإنسان وجهوده المبذولة فى ساحة ذلك الصراع تتفاوت مواقفه وتأثره وكيفية تفاعله معها ، فبينما يضطرب البعض ، يفقد البعض الآخر الثقة ما بين متشدد ومفرط ، وبين هؤلاء و أولئك نرى فئة تصحح المنهج وتؤدى رسالتها …
ففى الواقع المعاصر تكثر الفتن ويسود الباطل والظلم والعدوان ، ومن هنا يشعر الإنسان بالنفور من الحياة هربا من فقة الواقع ويختصر الحياة بالجمود والانعزال درءا لمفاسد الاختلاط بالمجتمع ، وهنا يشعر بغربة فى القلب اصعب من غربة الوطن ، مما يؤدي إلى فقدان الهدف والقدرة على التأثير والإصلاح وبذلك يكون سلبيا مذموما ، فالإنسان الحقيقي حيث يوجد لا حيث يولد وحين تكون أمجاده اللامعة لا ذكرياته الدامعة ، كما أن الإنسان المصلح القوى بانتمائه يترجم هذا الإحساس بشكل إيجابي حيث يبادر بإصلاح نفسه والتقرب إلى الله تعالى ويتابع واجبه بإصلاح مجتمعه ويتحمل الأذى صابرا راجيا الأجر طالبا رضى الله تعالى والفوز فى الدنيا والآخرة ، ولا يكون عبدا لهواه تستعبده اللذة أسيرا لها يجرى تحت إرادتها اينما توجهه يسير خلفها ، لا يطلقها من كل قيد وضبط حتى لا تكون حياته اقرب ما تكون إلى الفوضى التى يثيرها الهوى والشهوه ، فالهوى يدمر الإنسان أكثر مما يبنيه وتمام الحرية ليس بكاملها ، فقد يكون بالمنع احيانا ، واذا كانت قيمة الإنسان بمقدار ما يناله من لذات هنا يكون الحيوان أكثر قيمة وأعلى قدرا ..
. إن الحياة بتغيرها تؤثر في الإنسان ويكتشف من خلال رحلته أن هناك قوى عظمى تغيره ولا تتغير ، وعند اصحاب الديانات يكون السعي دائما نحو اجتياز الحياة التي يعيشها الإنسان إلى حياة أخرى ليس بها حجم معاناه او شقاء ، وهنا يصبح الإنسان في حيره من أمره ، هل يعيش هذه الحياة بكل زخرفها ومعانتها أم ان هناك حياة اخرى ابدية افضل ، ويظل حائرا بين المعايشة والهجرة حتي اذا ما استقر في قناعته ان الحياة بكل صخبها وبريقها تنتهي في لحظه غير معلومة مهما بلغ الإنسان من معطيات الحياة ، هنا يقرر الهجرة إلى الله مرتحلا باذلا كل ما في وسعه متخليا عن كل متاع زائل متطلعا إلي حياة أخري أرقي وأجمل ، وفي سبيل ذلك يساعد الآخر غير باكى على الدنيا حيث انه مهاجر فيها ، فتتحقق له ومن حوله السعادة بكونه صادقًا وواضحًا ومعطائا وأمينًا وبهذا تبدأ الخطوة الأولى نحو الحياة الدنيا الكريمة ، وقد حدث ذلك في البلاد التي آمنت بالإنسانية وحقوقها بصرف النظر عن نوعية ديانتها ، وهذه الحياة يمكن ان تضم الغني والفقير ، القوي والضعيف ، المسلم والمسيحي واليهودي وأي إنسان مقتنع بالهجرة إلى الله مصحوبا بالإنسانية .