شاهدت منذ أيام عدة مشاهد متداولة من فيلم باللغة الروسية يرجع إلى خمسينيات القرن الماضي يدور حول نظرية أبو علي الحسين ابن سينا الشهير ب( إبن سينا)، إذ كان ابن سينا عالماوفيلسوفا وطبيبا وشاعرا، ولُقِّب بالشيخ الرئيس والمعلم الثالث بعد أرسطو والفارابي، كما عرف بأمير الأطباء وأرسطو الإسلام، وظل كتابه ( القانون في الطب ) المرجع الأساسي للطب في أوربا طوال القرنين الخامس والسادس عشر، حتى بلغت طبعاته في أوربا وحدها أكثر من أربعين طبعة.
فقد كان ابن سينا سابقاً لعصره، إذ كشف لأول مرة عن طرق العدوى لبعض الأمراض المعدية كالجدري والحصبة، وذكر أنها تنتقل عن طريق بعض الكائنات الحية الدقيقة في الماء والجو، وقال: {إن الماء يحتوي على حيوانات صغيرة جدا لا تُرى بالعين المجردة، وهي التي تسبب بعض الأمراض، وهو ما أكده “فان ليوتهوك” في القرن الثامن عشر والعلماء المتأخرون من بعده، بعد اختراع المجهر}.
هذا و قد كان الحوار بأحد مشاهد هذا الفيلم عن تلك الاكتشافات العظيمة المتفردة آنذاك ووجود مخلوقات متناهية الصغر لا تُري بالعين المجردة تصيب الإنسان بمعظم الأمراض، وغالباً ما تستقر هذه الكائنات على الملابس و الشعر واللحية والأيدي، ونصح الناس باستعمال محلول الخل التعقيم والوقاية من أضرارها .
وما زاد من دهشتي ما نصح به العالم الجليل من خلال شخصيته التي تم تجسيدها في الفيلم بعدم الاختلاط الكبير بين الناس إذ أن تلك الكائنات غالباً ما تنتقل من شخص لآخر خاصة بالأماكن المزدحمة و أن مريض أو مصاب واحد قد ينقل العدوى لمائة آخرين على الأقل .
حتى إن أحد المشاهد كان بها المنادي ينادي بتوصيات ابن سينا بالتزام البيوت و عدم الصلاة بالمساجد آنذاك و التي غالباً ما كان يجتاح بها البلاد أحد الأوبئة .
حقاً، فالتاريخ يعيد نفسه مراراً و تكراراً، فما قاله ابن سينا هو بالحرف ما يقال الآن بعد عدة قرون قطع بها بني البشر شوطاً كبيراً بطريق العلوم والاكتشافات والمعارف التي تصور من خلالها الإنسان أنه قد تملك زمام الأمور كافة، ولكنه،سرعان ما يكتشف أن كل ما حققه من تقدم و ما اكتشفه من معارف و ما طوره من تكنولوجيا و ما انتصر عليه من أمراض لقاحات وعلاجات ما هو إلا قطرة مياه بالمحيط و ما امتلأت به نفسه من غرور المعرفة ما هو نقطة في سطر لا نهاية له،فقد وضعت أزمة كورونا الإنسان بمأزق كبير ، ليواجه عجزه و حدود علمه الضيقة بعد أن ظن كل الظن أن لها من الرحب والسعة ما يزهو به و يفخر .
فلعله يكبح جماح غروره بالقليل من الحكمة و يكبل تكبره في الأرض ببعض التضاؤل و الاستصغار و يراود أطماعه الغير محدودة بالقليل القناعة فيسعى و يجتهد و يواصل بحثه و اكتشافاته و هو يعلم تمام العلم أنه “فوق كل ذي علم عليم ” .
نهاية :
أوصيكم و نفسي بالحذر دون الهلع ، و الصبر دون الجزع ، و الرضا دون الطمع وبما أنني قد استشهدت بأمير الأطباء وفيلسوف الإسلام، واختتم مقال اليوم بأحد أشهر أقواله المأثورة و التي أجد بها من الحكمة ما ينبغي علينا الآن التحلي بها، وهي :” الوهم نصف الداء، والاطمئنان نصف الدواء، والصبر أول خطوات الشفاء”