تتزايد مخاوف التونسيين يوما بعد يوم في ظل الارتفاع الكبير في أعداد الإصابات والوفيات جراء تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، والذي ينتشر بشكل واسع وسريع، إذ سجلت البلاد، حتى الآن، ما يقرب من 90 ألف إصابة ونحو ثلاثة آلاف حالة وفاة جراء الإصابة بالفيروس التاجي.
ومع تزايد حالة الخوف والهلع بين المواطنين، لم يجد التونسيون أمامهم سوى العودة إلى الماضي والاستعانة بوصفات الأجداد والأعشاب وخلطات العطارة التقليدية التي تباع بالأسواق المنتشرة في البلاد، فضلا عن بعض الأكلات التي تشتهر بأنها قادرة على تقوية مناعة الأجسام للوقاية من كورونا، لاسيما في ظل غياب لقاح ضد الفيروس المستجد (كوفيد-19).
وفي قلب تونس العاصمة، تنتشر العديد من أسواق بيع العطارة والأعشاب في أرجاء المدينة العتيقة والحي الأوروبي، ولكن يبقى سوق “البلاط” هو الأشهر على الإطلاق، لذا تبدو أزقته الأكثر ازدحاما بالمارة، حيث يقصده أغلب التونسيين كونه يتوافر فيه العديد من النباتات الطبيعية والأعشاب المتنوعة إلى جانب أنواع مختلفة من مواد العطارة التقليدية.
ووسط أنواع وأشكال عديدة ومختلفة من النباتات والأعشاب البرية، يقف الحاج محمد، ليرتب بضاعته أمام دكانه الذي يحمل لافتة كتب عليها “الرجوع إلى الطبيعة” ويقول – في حديثه لمراسل وكالة أنباء الشرق الأوسط بتونس – “هناك وصفات وخلطات عدة أصنعها بنفسي ويقبل عليها الزبائن من كافة أرجاء البلاد، وهناك خلطات معدة خصيصا لتقوية مناعة الجسم ولها قدرة على مقاومة الفيروسات والوقاية من السعال وأعراض الإنفلونزا المشابهة لأعراض فيروس (كورونا)”.
ويضيف الحاج محمد “استخدم في صنع تلك الخلطات، مواد طبيعية يستخلص منها الدواء، مثل نبتة الشيح والزعتر والقرنفل، ويضاف إليها عسل السدرة والزنجبيل والقرفة والقرنفل وجوزة الطيب وجوزة الشرك، وفطر (الترفاس) الذي ينمو في المناطق الصحراوية، إلى جانب أوراق عشب (الكاليتوس) المقاوم للبكتريا ويدخل في صناعة المضادات الحيوية، كلها وصفات ومواد من الطبيعة ودائما ما أنصح بها الزبائن وتلقى رواجا كبيرا هنا”.
وبين العديد من أكشاك ودكاكين العطارة والأعشاب بسوق “البلاط”، تقف السيدة نوال الهامي في حيرة من أمرها، إذ تنظر بتمعن للعديد من أشولة العطارة ذات الروائح والألوان المختلفة، والتي تتراكم على أحد الأرصفة المحاذية لدكان عطارة العم شوقي الفورتي، وتستفسر عما يجب أن تبتاعه من بين تلك الأعشاب والنباتات وتتسأل عن الوصفات والتحويجات التقليدية، ظنا منها أنها تقي من الإصابة بالفيروس التاجي، وتقول “أمر مخيف، في ظل الارتفاع المتلاحق لأعداد المصابين والمتوفين بالفيروس، دائما ما ينتابني القلق على عائلتي ووالدتي العجوز، فضلا عن أولادي حيث يذهبون يوميا إلى المدرسة ويختلطون بأقرانهم”.
وتتابع قائلة “مع بداية العام الدراسي سجلت وزارة التربية هنا أعدادا ليست قليلة من الإصابات بالفيروس بين التلاميذ والمدرسين، الأمر الذي أثار الخوف في قلوب الناس قلقا على أبنائهم .
لا نملك من أمرنا شيئا، نحن مجبرون على التعايش مع الوباء، وكل ما أريد فقط اقتناء أعشاب ووصفات مؤلفة من النباتات الطبيعية تعزز مناعتهم، فإن لم يستفيدوا بها فأظن أنها لن تضرهم أبدا”.
وقاطع العم شوقي، حديث السيدة الأربعينية، ليقول “وصفات الأجداد هي عبارة عن تحويجات وخليط من مواد طبيعية; كونها مؤلفة من نباتات وأعشاب تقليدية، لذا يقبل عليها غالبية التونسيين، وننصح بها الزبائن حيث تستخدم لتقوية المناعة، إذ يدخل فيها نباتات وأعشاب ومواد من الطبيعة، مثل الثوم وحبوب اللقاح، والعسل، والحبة السوداء إضافة إلى بعض نباتات وأعشاب مثل فول الصويا والقسط الهندي وهي عشبة تنتمي إلى عائلة الزنجبيل وتساهم في تعزيز المناعة”.
وإلى جانب الأعشاب والوصفات الطبيعية ومواد العطارة هناك أيضا أكلات شعبية وتراثية يعتقد غالبية التونسيين أنها تساعد كذلك على تقوية مناعة الجسم، إذ يقول أسامة الشيباني، سائق سيارة أجرة “ليس هناك أفضل من (اللبلابي)، وهي أكلة شعبية يشتهر بها التونسيون، إذ يدخل في إعدادها الحمص المسلوق والهريسة (نوع من التوابل المصنوعة من الفلفل الأحمر والثوم والكمون والملح والبهارات) إلى جانب البيض وسمك التونة وقطع الخبز الصغيرة يضاف إليها زيت الزيتون”، معربا عن اعتقاده بأن الأكلات التراثية والشعبية بتونس وخاصة المزودة بالتوابل الحارقة أو الحارة تساعد الجسم على مقاومة الفيروسات وبرد الشتاء القارص وتعزز مناعته.
وعن جدوى وفعالية تلك الوصفات وخلطات العطارة.. حذرت الدكتورة هدير بن مفتاح المختصة في التغذية من المنتجات أو الخلطات التي توصف بأنها تساعد في معالجة أو الوقاية من فيروس كورونا، منبهة من خطورة استهلاك بعض الوصفات التي قد تهدد الحياة وخصوصا لدى كبار السن أو الأشخاص الذين يعانون أمراضا مزمنة، لافتة إلى أن طرق الوقاية من الفيروس المستجد تكمن في التغذية السليمة التي تمد جسم الإنسان بالبروتينات الحيوانية والنباتية، بالإضافة إلى الخضروات خاصة أنها تحتوي على ألياف ووفيتامينات وأملاح معدينة، إلى جانب السوائل والعصائر الطازجة والتي تلعب كذلك دورا مهما في تعزيز مناعة الجسم وتمده بالعناصر الغذائية التي يحتاجها بشكل يومي.
ويبدو أنه في ظل ارتفاع أعداد الإصابات والوفيات جراء الإصابة بالفيروس التاجي في جميع أنحاء العالم، ومع غياب لقاح أو دواء يثبت فعالية حقيقية للقضاء عليه، سيلجأ البعض إلى خلطات العطارة التقليدية ووصفات الأجداد القديمة للوقاية من خطر الوباء، والبعض الآخر سيرى في تلك الوصفات خرافة لا تسمن ولا تغني من جوع، وسيبقى هناك أمر واقع يتفق عليه الجميع وهو التعايش مع تلك الجائحة وتداعياتها والأخذ بكل وسائل الوقاية والحذر، إلى أن تنتهي عما قريب وتعود الحياة إلى طبيعتها مجددا.